الأربعاء، فبراير 10، 2016

تفاعيل من بحر الغربة

 
 
بِإِيماءَةٍ من ضميرِ الغيوبِ
رأيتكَ رغمَ الظلامِ الرهيبِ
 
رأيتكَ والدًّرْبُ شوكٌ وجمرٌ
وفَزَّاعةٌ في شِفاهِ الخطوبِ
 
هناكَ اعترى القلبَ خفقٌ غريبٌ
لذيذٌ، على صوتِ خَفْقِ الغريبِ
 
كأنَّ انْهيارًا إلى ثُقْبِ قلبي
طواني بِفَيْضِ انْتِشاءٍ صَبيبِ
 
كأنكَ لَحْنُ الشروقِ اعتراني
وقد كنتُ معزوفةً للغروبِ
 
بزغتَ وللريحِ سفٌّ ورَقصٌ
على جَدَثِ الوردِ والعَندليبِ
 
وفي صحوةِ الوعي أشرقتَ عيدًا
مجيدًا على إثر بَيْنٍ كئيبِ
 
لأنكَ كنتَ الطريقةَ أغرَوا
بِوضَّاحِ دَرْبِكَ مَكْرَ الجُيوبِ
 
لأنكَ كنتَ الحقيقةَ صاغوا
لِمْسعاكَ مليونَ شَكلٍ مُريبِ
 
لأنكَ كنتَ الحضارةَ عاثوا
خرابًا على كُلِّ رَبْعٍ خَصيبِ
 
لأنكَ كنتَ الكرامةَ عاشوا
عبيدًا على عَتباتِ الصليبِ
 
لأنكَ أنتَ الحياةُ استماتوا
وشَنُّوا لِوَأْدِكَ كلَّ الحروبِ
 
وهأنتَ في موعدٍ أَحْكَمَتْهُ
نواميسُ هذا الوجودِ العجيبِ
 
***
وجدتكَ في بلدةٍ، لستُ أدري
سوى أنها شهقةٌ من نَحيبِ
 
كأنَّ مصابيحَها من سُهادٍ
على سُودِ أَرْصِفةٍ مِنْ كُرُوبِ
 
كأنَّ اسمَها القدسُ! والقدسُ حقٌّ
يطوفُ حَوَالَيْهِ نَبْضُ القلوبِ
 
أ"كابولُ" يا قصةً من هواها
أحالوكِ عمدًا لقفرٍ جديبِ
 
بلادَ "الجزائرِ" فَلْتُخْبِرينا
بِعَشْريةِ الموتِ، هيا أجيبي!
 
أَيَا "سَرَاييفو" و"كُوسُوفَ" ماذا
عن الطفل؟! كم ذاقَ كأسَ المَشِيبِ؟!
 
"غُرُوزْني" لماذا أبادُوكِ؟! هلْ في
هَزَارٍ طليقِ الأغاني طَروبِ؟!
 
أ"بغدادَ" يا أختَ هارونِ، قُولي
لماذا رَمَوْكِ بِزَيْفِ الذُّنُوبِ؟!
 
لِ"بَغْدَادُ"، يا قلبُ، سافرْ وسائلْ
وحاورْ أساها حوارَ الأديبِ
 
و"أَنْبَارَهَا" انْزُلْ، تَحَدَّثْ إليها
لَعَلَّكَ تَلْمَسُ جَمْرَ اللهيبِ
 
لِ"مِصْراتَةَ" ارْحَلْ مَدَى الحُزْنِ واسْألْ
عن الأرضِ والعرضِ، في قلبِ ليبي
 
وعن سَجْنِ يوسفَ - يا مِصْرُ - ماذا؟!
أما كانَ تَأْويلَ حُلْمِ الشُّعوبِ؟!
 
ل"رابعةَ" الحُزنِ للدمعِ ذكرى
تجيشُ على حقِّ شعبٍ سليبِ
 
أيَا "عَدَنَ" الجُرْحِ، يا قَيْدَ "صنعا"
أيا مَدَدًا مُثقلًا من لُغُوبِ
 
أيا "تَعِزَ" العِزِّ، كُوني نشيدًا
على شَفَةِ المَجْدِ، زِيدي وَجِيبي
 
***
كأنَّ اسْمَهَا القُدْسُ، والقُدْسُ نَزْفٌ
على قَسَمَاتِ الهِلالِ الخَضيبِ
 
و"غزةُ" بنتٌ، لها قلبُ أُمٍّ
أيا نغمةً لِلرِّباطِ المَهيبِ
 
"حماهُ" و"حمصُ" و"درعا" و"شهبا"
قِيَامَةُ شامِ الإباءِ الغَضُوبِ
 
وتلكَ "دمشقُ"، دمٌ من حَشَاها
تَدفَّقَ من كُلِّ حُلْمٍ حبيبِ
 
تَأَبَّدَتِ الأرضُ لَمَّا تَدَاعى
إلى وِرْدِهِ كلُّ كَلْبٍ وذِيبِ
 
دَمٌ لَمْلَمَ الرُّوحَ من كُلِّ جُرحٍ
وعنْ سَبْقِ عِشْقِ وَوَرْدٍ وَطِيبِ
 
دَمٌ عرَّفَ الفَجْرَ جَمْعًا ومَنْعًا
وعَرَّى مَوَازينَ ليلٍ كَذُوبِ
 
غَدَا في شِمالِ الفَرَاعينِ هَمًّا
وأخزى عساكرَ سِجْنِ الجنوبِ
 
***
كأنَّ صدى قَرْعِ نَعلكَ خَلقٌ
لإنسيتي في الزمانِ العصيبِ
 
لقد رتَّلَ الحُبُّ آياتِ قلبي
ذكيًّا بأنفاسِ فجرٍ قريبِ
 
وعالجَ نصَّ النوى من ثقوبٍ
فهذَّبَ لحنَ المُنى من نُدوبِ
 
وأشعلَ من صدقهِ فألَ رُوحي
فنارًا يقيهِ اشْتباهَ الدُّروبِ
 
غريبَ الدُّنى، إن "مكةَ" شَمسٌ
وليسَ بأعماقنا من مَغيبِ
 
وهلْ في مدى نورها منْ غريبٍ
سوى نادرِ القلبِ فذٍّ نجيبِ
 
أراك على حُبِّها، خير عشقٍ
وما لي بلا عشقها من حَبيبِ
 
فَخُذ بيعةَ الحُبِّ سِلمًا وحربًا
وأشْهِدْ على القلبِ ربَّ الغيوبِ
 
وخُذْني إلى ضوءِ "مكةَ"، خذني
ف"مكةُ" قلبُ الوجودِ الرحيبِ

هناك 4 تعليقات:

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))