الخميس، ديسمبر 30، 2010

وجود الله

استجابة لطلب الأخت الكريمة و الكاتبة القديرة ولاء أبو غندر و إعجاباً بفكرة الاعترافات سأقوم بفتح قسم جديد في المدونة بعنوان (اِعترافات)  أرجو أن يكون مصدر نفع و متعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجودالله



   مرت عليّ -  في سنين مبكرة من حياتي -  أحايين كان يعاودني فيها شك بوجود الله!!
   كنت أقول لنفسي في تلك اللحظات : هل الله موجود ؟!!

   كان يحدث ذلك خاصة حين أجد الحياة قاحلة مجدبة عقيمة من المعاني التي تستحق الحياة من أجلها..

   و لما كان الأصل في أحوالي العادية هو الإيمان بوجود الله فقد قررت أن أقوم بتحليل تلكم المشاعر و الشكوك و تفكيك بذرتها الفكرية في عقلي العميق ، خاصة وأن تلكم المشاعر كانت تعذبني و تشقيني و تجعلني أشعر بأنني ريشة في مهب عواصف الدهر و تقلباته..

   و بقليل من التأمل في تلكم الحالة وجدت أنها تنبعث و تتعملق في ذاتي على أساس مشكلات فكرية عقلية موجودة في بنية إدراكي لماهية الحياة.
  
   كانت مشكلة الزمن هي المشكلة الرئيسة ؛ فقد كنت أقول لنفسي : ( قبل أن خلق  الأرض الكون بمليارات السنين ماذا كان يصنع الخالق؟!!! و لماذا قرر في نقطة محددة من الزمن أن يخلق الكون و الأرض و الإنسان؟!!)

   كما كنت أسأل نفسي تفريعاً لذلك : ( أمعقول أن يتعذب أهل النار في النارإلى ما لا نهاية ؟!! وما الحكمة من ذلك؟!!)

   لقد كان قراري بالبحث عن حل لهذه التساؤلات هو البداية - أيها الإخوة - لحلها الشافي ؛ إذ لم أكن أتوقع أبداً أن يأتي الحل بهذه السرعة !!

   فقد حدث حين كنت أقلب صفحات كتاب (في ظلال القرآن) لسيد قطب - رحمه الله - أن قرأت للمرة الأولى كلاماً جميلاً عن المفهوم الإسلامي (العلمي الآن) عن الزمن و ماهيته ؛ و أن الزمان مثل المكان لا يعدو كونه مجرد مخلوق خلقه الله ، و أن الله فوق الزمان و المكان ، و أن الإنسان مخلوق (زمكاني) ، و أنه من الباطل أن أسأل عن ذات الله كما لو كان داخل الزمان ، و أن ذات الله تفوق قدرة عقولنا المصممة للعمل في إطار الزمان و المكان.

   و قد ترسخ لدي هذا المفهوم بمزيد معرفتي بالله و بأسمائه و صفاته و بالفرق بين الخالق و المخلوق ؛ أي بمعرفة المعنى الدقيق لسورة الإخلاص.

   كما ترسخ لدي هذا المفهوم بربطه بمفاهيم أخرى ؛ مثل مفهوم الخلود (انعدام الزمن) الذي هو ضد الفناء (الزمن) ، و كون الإنسان فانٍ في الدنيا خالد في الآخرة.

   علمت بعد ذلك لمَ يقسم المولى - عز و جل - بالأزمنة أكثر من الأمكنة في كتابه الكريم ، و رأيتُ بنفسي رأياً خاصاً  أنه يقسم بالزمكان حين يقسم بمواقع النجوم !!

   علمت بعد ذلك بمعنى هذا الحديث النبوي المهم :
حدثنا ‏ ‏عمر بن حفص بن غياث ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو صالح ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : ( ‏ ‏يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم ، هذا الموت وكلهم قد رآه. ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رآه. فيذبح ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت. ثم قرأ (‏وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة  ‏وهم لا يؤمنون)

   بلغ الأمر قمة رسوخه عندي بعد ربطي للموضوع بفهوم الزمن في الرياضيات المعاصرة ؛ و بمفهوم الزمن في الفيزياء العميقة و على الأخص النظرية النسبية لأينشتاين و معطيات كثيرة من النظريات الحديثة.

   و تعززت القناعة لدي بربط الموضوع بمفاهيم الملائكة و الأرواح و الجن و الرؤى و الأحلام ، و ببعض معطيات علم النفس و علم الميتافيزيقا .

   أما المشكلة الفرعية ( عذاب جهنم) فلم أكن أتوقع أبداً أن أتفاجأ ذات مساء - و يا لها من مفاجأة - بالعالم العبقري الجهبذ الداهية (ابن قيم الجوزية) يشفيني من مرضي بنقاشه المستفيض للمسألة في كتابه (حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح) بعنوان( خلود الجنة و خلود النار) و في  سبعة و عشرين وجها!!

   أما أصل شعوري الذي هو الإيمان بالله فقد فطرني الله عليه و استكشفت معالمه من خلال أضواء كاشفة ضمن رحلة ذاتية ممتعة .. سأتحدث عن أهم الأضواء في اعترافي الثاني بإذن الله تعالى.

هناك 5 تعليقات:

  1. أولاً: جزاك الله عنا خيرًا..

    ثانيًا: صدقًا أنا مستمتعة جدًا بهذا الاعتراف العقلي الرائع :)

    ثالثًا: كلنا نظن ونفكر ونريد أن نصل لشئ يشبع فضولنا البشري الطبيعي، والجميل في الأمر أن الإسلام دين واضح وصريح وكله نور، أول كلمة في كتاب الله تعالى هي اقرأ، الإسلام لم يجرم المعرفة كباقي الأديان.. ولهذا؛ سبحان الله.. عندما يربط الإنسان كل ما يتعلمه بالدين وما ورد فيه لن يجد أي تناقض أبدًا، ما أجمل الإسلام!

    رابعًا: أنا أحيانًا تأتيني خواطر كهذه، فأقول لنفسي صبرًا حتى يأتي الوقت لكشف لأسرار، لكن ثبتنا الله على اليقين الذي يجعلنا مطمئنين دائمًا لحكمته..


    قراءات حضرتك متميزة تبارك الله، تحياتي أستاذي :)

    كــن بخير ^_^

    ردحذف
  2. هذه مسائل أهم و أجل من أن تهمل ...بارك الله فيكم على الإقتراح و على الإستجابة و حاجة العاقلين مبتهجة لمثل هذا الإعتراف و لمثل هذه الحكمة و البساطة في العرض "تساؤلات عويصة و ارتباطات عميقة و تدليلات أروع و حقائق أمتع " و تغيير مميز و كم جميل المشاركة بتجارب السابقين في السعي الى الله جزاكم الله خيرا
    دمتم في ايمان و اطمئنان و رضى الرحمن

    ردحذف
  3. السلام عليكم

    قسم جميل: اعترافات..
    نعم ففي مسيرة حياتنا هناك أفكار تتغير وأخرى تتجدد، فالتي تتغير تكون لها علاقة بالمرحلية، وبعد ذلك نهتدي بدليل أو اشارة روحية أو ربانية إلى قناعة أخرى..
    فكرة كانت راودتني منذ سنين أن أقوم بكتابة سلسلة أسميها "كنت أعتقد"، وها أنت أستاذنا تخصص اعترافات لمثل ما كان يراود بالي.
    نفس الأسئلة التي كانت تزاحم فكرك من قبل هي التي كانت كذلك تتملكني، ولكني كنت أدفعها حتى لا يتملكني شيطانها، فأعوذ بالله منها، وفي كذا موقف كانت تعود، هي هواجس نردها دائما بإيماننا الفطري، ولكن هنا وفي هذا الإعتراف العقلي الذي زينت به نصك، وجدت شيئا فعلا غاب عني، أشكرك على الفائدة أخي الكريم وأستاذي العزيز.

    ردحذف
  4. السلام عليكم
    الحقيقة أنا استفدت من هذا الإعتراف ..
    ولكم أتمنى تفصيلاً أكثر من ذلك ...

    وبانتظار بإذن الله بقية الاعترافات
    دمت بحفظ الرحمن .

    ردحذف
  5. لا شك أن أغلبنا عاش مرحلة برزخية مهدت لتأصيل الإيمان في قلبه ...فقد راودتنا ذات التساؤلات...ولكل منا منهجه ووسائله لتجاوز تلك المرحلة وحل إشكالاتها ...لكننا في النهاية نلتقي عند الحقيقة المطلقة ، الحقيقة العليا... فيتلاشى الشك و يشيّد مكانه صرح اليقين ..
    إن هذا الاعتراف في عمقه يجعلنا نتساءل إلى متى نعول على غرس الإيمان التقليدي في النفوس ؟ ألا يجب تطعيمه بالدليل والبينة ؟

    شكرا لهذه اللفتة الطيبة....فتحت غيمة هذا الاعتراف تبللت بتلات الروح ، دام وعي الحكماء و اعتراف المدركين .

    ردحذف

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))