الأربعاء، أكتوبر 03، 2012

ذكريات النور الملكي و مذابح طائر الخراب



الذبح بالسكين يورث الشهادة
الذبح الخفي بإعاقة نمو العقل و الروح و المشاعر يورث البلادة
و رُبَّ إنسان يعيش بإمكانات حياة نباتية

الإهداء / للمربي الفاضل و السياسي الشجاع الأستاذ أحمد عبدالملك المقرمي
التلة التي تدعى (الشاصة)
كانت - أيام (صباحك المهيب) -
الخميلة الجميلة اللفاء
إذ ترعرعت الأحلام الغضة
بزغبها القروي البريء
إلى أن يفعت و شبّت
و ارتفعت بأجنحتها القوية
و شَفَتْ أول ما شَفَتْ
بيخضور وجودها الحيوي
الأمهات و الزوجات و الأولاد
من رُهاب الأفق الغامض
و الرحيل المرعب المر
على طول شواطئ الاغتراب
إذ تخلف الأمواج العاتية
في الكهوف المتجهمة السوداء
عواءها القاري المجنون !

و كانت (الشاصة) سنيناً
بشمسك الذهبية الرائدة
و مجموعتك الملكية الواثقة
و أولادك النجباء المعدمين
القادمين من أربع الجهات
 ...
كانت (الشاصة) سنيناً
بعشر الغرف العتيقة
التي تتناسل فيها الرياح
و طابورها الصباحي العتيد
و حرم منبرها المجيد
...

كانت (الشاصة) سنيناً
بأحداثها الأسطورية الجمة
فجر (صدان) الشامخ
المتكئ بحكمة و كياسة
في مهب زعازع الخريف
تحت سماء الحب المترعة
بشغفنا الإمبراطوري المحلق!

و القنطرة التي رفعت عمدانها
بين قريتنا و العالم الحديث
و زها بمشاركتك في رفعها
مهندسون مخلصون مهرة
و مرت عليها البواكير الأولى
قوافل من السحائب المثقلة!
لم يبق منها غير الذكرى
منذ أن حل في حرماتها 
وطواط الليل الأعمى
بكل وسائل طبعه الأناني
المدجج بطرائق الدمار
الدمار العميق الشامل !

لم يبق من مملكة النور
نصبا تذكارياً لشمعة
تخفف الحلكة الدامسة!

لم يبق شيء يا أبي ..!

السور العالي للقيم ..
البلاط الأكاديمي الرحب ..
بساتين التنمية المتكاملة ..
أبهاء مكارم الأخلاق ..
أجنحة الحراك النبيل ..
صولجان الأبوة المبجلة ..
أكاليل السمو التربوي ..
عرش المثال الإنساني ..
...
لم يبق شيء يا أبي ..!

تشرين الذي يأتي كل عام
يبزغ من آفاق راحتيك
حافلا بالقادمين الجدد
من مصر و السودان و الشام
نحمل أمتعته بسرور
إلى مسكنه المحروس بالقلوب ..!

صوت محرك سيارتك
يشد أوتار الصباح
لبدء معزوفة الانطلاق
في سماء الواجب المقدس
قبل إشراقها من المنعطف
لتستقر في الموقف المطل
على بركة ماء المطر
درة عمرية شاخصة
في وجه من يفكر بالبغي ..!

القلوب التي ترقص طرباً
للكتب المجانية الجديدة
كأنها نزلت من السماء
ليتم توزيعها بطقوس
تحضره ملائكة الله ..!

خلايا النحل العاملة
بهدوء يأسر الألباب
كأن لا أحد هنا قط
إلا الغمغمات العامة
توحي بمعسول الندى ..!

حقول مناهجك الخصبة
لتنمية زهرة الحياة
من قلب المقرر المدرسي
مرورا بالبيئة الحاضنة
إلى أقصى متعة السباحة
في شواطئ البحر الأحمر
و خليج الساحل الذهبي ..!

مضمار المسابقات الواسع
و خطة الأنشطة العامة
و الكتب و المجلات و الصحف
يتعاطاها المعلمون و الطلاب
أكثر من السندويتش و البيبسي ..!

الضوابط الفطرية النابعة
من صدور تنضح بالفتوة
لطلبة ودودين بررة
يخالطهم معلموهم بتواضع
في ساحة الكرة الطائرة
بروح أبوية عالية ..!

فترة الاستراحة الثمينة
على ألحان النغم السامي
من مكبر الصوت الضخم
و إعلان العودة للغرف
ذات النوافذ الكبيرة العارية
التي لا يتسلل منها أحد
إلا تشرين و كانون ..!

حفلة التكريم الشهرية
بلوحة الشرف غير المزيفة
و فرق الأناشيد و المسرح
و يمناك تصافح الأوائل
و لطالما تدفق نداها
فغمر القلوب بالجوائز ..!

لجنة الكنترول الصارم
المثير للهلع اللذيذ
و قصص نادرة مثيرة
عن ضبط غشاش مغامر
و انتظار يوم الحصاد
و المهرجان الختامي الضخم
يضع النقاط على الحروف
في جملة فيضك النادر ..!

لم يبق شيء يا أبي ..!

حتى (المُغَلِّسي) رحل
و لطالما وقف مزهوا
بجبة المحارب القديم
و بندقية الحارس النبيه
بمرأى حضورك الثري ..!

لم يبق شيء يا أبي ..!

هنا غبار الخرائب
في أرجاء مبنيين حديثين
جامدين باردين ميتين
يدرسان قلبي بشراسة
على صفوان الغش الأسود ..!

لم يبق شيء يا أبي ..!

هنا أولياء دم مراق
يدفعون أجراً مجزياً
مقابل رهن الذخائر
لقطاع طرق التربية
و قراصنة بحر الحياة
من أجل بومة سمجة
لا تعشق غير اليباب ..!

لم يبق شيء - يا أبي -
غير جثث تلاميذ قتلى
صلبهم سفاح الجهل
مزق حقهم المقدس
في مذبح جيبه المدنس ..!

كل ما يوجد الآن - يا أبي -
لا يساوي (جزمة عدنان) !!
إذ رأينا فيه - أيامك -
فطرة القيام بالواجب
بشكلها الأولي البريء
الخالي من أي تزوير
أتقنه حد الاحتراف
أستاذ دفن الأجيال
في مقلب الجشع السادي ..!

لم يبق شيء يا أبي ..!

زهرات العقول التواقة ..
ومضات الأرواح البراقة ..
نبضات القلوب المشتاقة ..
خطرات المشاعر الرقراقة
لأفواج جيل مغدور
تم سحقها بصفاقة
في معتقل مظلم رهيب
من شهوات (طائر الخراب)* ..!
ـــــــــــــــــــ
* ما بين القوسين مقتبس من رواية بنفس الاسم لحبيب عبد الرب السروري /جامعة باريس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))