الخميس، فبراير 04، 2010

إلى من تكلني ؟!


لمن أشكو حزني ؟!
و قد تمدد في حسي
كخارطة معقدة
بلا مفتاح أو مقياس.

لمن أشكو حزني ؟!
و قد نما و استفحل
مثل طحلب الماء
بلا بداية أو نهاية.

لمن أشكو حزني ؟!
و هو يغير شفرته
صباح كل سبت
و يتطور بعناد
إزاء كل مضاد
من فرح أو سعادة

لمن أشكو حزني ؟!
و هو يتجرثم بخبث
مثل (إتش آي في)
في باطن ما تبقى
من بسمات فؤادي.

لمن أشكو إن لم تغثني
يا رب العامين؟!!

إن قلبي لمكلوم
مكلوم مكلوم مكلوم
و أنت الرحيم
أنت السميع
أنت البصير
أنت العليم
أنت القدير.

انظر يا رب!
إن قلبي ينزف
دماً بالغ الحمرة
كدم سراييفو
كدم (برشتينا)
كدم (جروزني)
كدم (بغداد)
كدم (غزة)
كدم (القدس).

من الآن يا رب
لن أشكو إلا إليك.

فاسمع يارب!!
أشكو إليك حزني
و ضعف قوتي
و قلة حيلتي
و هواني على الناس.

إلى من تكلني ؟!

أتكلني يا رب
إلى من كنت أعدُّه
أقرب أقربائي
فكشر ذات غدرة
عن نابين مرعبين
لمصاص دماء ؟!

أم إلى من اخترته
صاحبا وخليلاً
و رافقته مبتهجاً
نحو دوحة للحب
سقيتها بفيض
من أعذب الليالي
و ما كنت أظنه
منقاراً للتغريد
صدمني بشدة
حين برز مخيفاً
بأسنان حادة
مثل طير منقرض
و يومها يا رب
أمسيت أشدو
وحيداً و كئيباً
مثيراً للشفقة
مثل مالك الحزين ؟!

إلى من تكلني ؟!
أ تكلني يا رب
لصديق أحببته
فقلاني يا رب
حين أبدعت للحب
مأذنة فريدة
لتزقرق فيه
روحي مع روحه
بمنأى عن الألم
و الضجر الرهيب
و الركض القاتل
في مفاوز الجشع
كثيران وحشية
فقال بسخرية :
امض و شأنك
أكثر ظني
أن الحياة
ليست أبعد
من نقر ممتع
بلوحة مفاتيح
لجهاز كمبيوتر
بمكتب تابع
لشركة عملاقة،

و إن شئت قلت
إنها تشبه
إلى حد كبير
جرعات منعشة
من الكوكاكولا
في مقصف الشركة!!

أو وجبة سريعة
بين دوامين
في مطعم هامبرجر،

أو حفلة صاخبة
لفريق هيب هوب
نهاية الأسبوع.

أو حضور مبارأة
للديربي الأقوى،

أو رحلة تزلج
في يوم شتوي،

أو جولة تسوق
في مركز تجاري،

أو دردشة فارغة
في ياهوماسنجر،

أو صرعة حديثة
من عالم الموضة،

أو قضاء ليلة
في أحد الفنادق،

إنها على الأرجح
كضغط مستمر
بريموت كنترول
للمرور على
كل القنوات
بدون متابعة
أي برنامج!!

الحياة أصبحت
مجاملات كاذبة..

علاقات آنية..

إعجاباً آلياً
بمواد تافهة
حسية سطحية
شكلية استهلاكية
تنجم دائما
كعشب بري
على حائط الفيسبوك!!

الحياة اليوم
إعلان دعائي
يتكاثر كوباء
في كل الوسائط
بشكل ساحر
خلاب خادع
براق قاطع
و فاصل كسيف
في حده الحد
بين عقل المستهلك
و حقيقة مجزأة
منهكة محاصرة
كسيحة مشوهة
تعاني من إهمال
خطير و متعمد
لتموت بمرض
لوكيميا المعرفة.
و الخداع الأعظم!

و يبقى (الإعلان)
سفر الأسفار
ليسوع المال!

و يصبح الدولار
حقيقة الحقائق
بدين العولمة !

و يدعى الناس
للإيمان فورا
بوحدانية السوق!!

الحياة اليوم
تخلصت تماما
من أثقال المعنى
و وجع المضمون؛
فهي باختصار
معلبات مرصوصة
بمحل سيتي مارك
كتب عليها
بيانات شتى
لكن المشترك
بينها جميعا
هو بالطبع
تاريخ الإنتهاء !!

إلى من تكلني ؟!
أتكلني يارب
لمن أهديته
أحلى أيامي
مفكرة رائعة
فدون فيها
ذكريات العيش
و الملح و الروح
و الدموع و الفرح
و ذات ليلة شاتية
في منزل جميل
يشمخ كقصر
وسط الثلوج
في غرفة وثيرة
كان رجل
بمعطف ثمين
يقف هناك
يفتح برفق
خزنته الخاصة
بينما امرأته
تجلس مسترخية
ترقبه عن كثب
يدخل يده
لتمتد في الخزنة
أصابعه الطويلة
باردة و قاسية
كأنها أخطبوط
أمسك المفكرة
سحبها بهدوء
بيده اليمنى
و رفعها أمام
نظارة صغيرة
تكاد تنزلق
من طرف أنفه
ليسدد النظرات
لتمر حادة
من فوق العدسات
وسط ضباب أزرق
من دخان مارلبورو
تلك التي تضيء
كل عشر ثوان
في ثغر يبدو
من دون شفتين!
......
و طفق الرجل
يضغط على
قداحة أنيقة
بإبهامه اليسرى
بلياقة جنتلمان
فيندلع بقوة
من القمقم الضيق
اللسان البرتقالي
شديد التوهج
انتشي الرجل
و حملق مليا
بالشعلة المتألقة
كأنه مجوسي!!
.....
بدا كأنه
يقول لنفسه :
من كان يريد
أن يتهمني بالوفاء
فليذهب إلى الجحيم
باحثاً عن دليل !!
......
تحركت يسراه
تجاه المفكرة
...
ساد صمت
مطبق وثقيل
....
تصاعد الدخان
كثيفا أسود
....
كان يبتسم
بتكلف واضح
كأنه يقوم
بتنفيذ وصفة
للشفاء التام
من عقدة نفسية!

كأنه يُجري
برمجة عصبية
لتخطي عقبة
بين زمنين!

خمدت النار
و الذكريات باتت
تذروها العواصف
هباءً من رماد
يتلاشى و يفنى
في عالم من صقيع

امتلأت الخزنة
بأوراق أخرى
عليها إمضاء
مدير الاحتياطي

وانتهى الموقف
بضحكة مبتذلة
من امرأة وقحة
كأنها سجاح
أمام مسيلمة
حين قالت له:
أشهد الآن
أنك نبي !

إلى من تكلني؟!
أ تكلني يا الله
لمن نذر حياته
لسحق الزهور
و إبادة الطيور
بعد أن وجدني
متلبسا متلذذا
ببسمة حقيقية
على غير حزني
فاستعرت النار
في هشيم قلبه
فسألني بحنق
و غيظ واضح:
بنت من هذه؟!
أجبت بهدوء:
(إن رأيت فأمها
شكل للجمال
بألوان خلابة
و إن سمعت فأبوها
صوت للجلال
بألحان جذابة
أنزلهما ربي
بحكمته البالغة
فردوس روحي)
...
تلبد وجهه
بوجوم رهيب
و كال التهم
بعد أن سب و شتم
و غادر معلنا
حربه العالمية
و غضبه الجهنمي
على الخلق و الأمر

يارب العالمين
إن رضيت عني
فلست أبالي
غير أن عافيتك
هي أوسع لي
فاشفني من الحزن

أعوذ بوجهك
أن ينزل سخطك
أو يحل غضبك
و لك العتبى
لك العتبى
لك العتبى يارب
حتى ترضى عني
و لا حول و لا قوة
إلا بك وحدك

ياحي ياقيوم
برحمتك أستغيث
أصلح شأني
لا تكلني يارب
إلى نفسي الضعيفة
طرفةعين
ولا إلى أحد
من خلقك أبدا

هناك تعليقان (2):

  1. لمن أشكو حزني ؟!

    و قد تمدد في حسي

    كخارطة معقدة

    بلا مفتاح أو مقياس


    لمن أشكو حزني ؟!

    و قد نما و استفحل

    مثل طحلب الماء

    بلا بداية أو نهاية


    لمن أشكو حزني ؟!

    و هو يغير شفرته

    صباح كل سبت

    و يتطور بعناد

    إزاء كل مضاد

    من فرح أو سعادة


    لمن أشكو حزني ؟!

    و هو يتجرثم بخبث

    مثل إتش آي في

    في باطن ما تبقى

    من بسمات فؤادي


    لمن أشكو إن لم تغثني

    يا رب العامين؟!!

    ردحذف
  2. صدى الحنين3 مارس 2011 في 3:56 ص

    حروفك ترقص في متحف الألفاظ وتعزف سمفونية الأرواح الهائمة في سماء الله ...
    حروفك تأسر الأنفاس وتعتقل الحس و تكبل الروح لتدخل في مرحلة نرفانا لا تنتهي ...
    حروفك ألق يتقاطر كحبات الندى في فجر نفسي
    حروفك أذابت ثلوج المادة ... وسقت الروح بزخّات المعنى

    لحروفك باقات ورد ... وقنينة عطري
    دمت ملك أبجديات الروح بلا منازع

    ردحذف

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))