الأربعاء، أكتوبر 03، 2012

وشوشات فوق حسية

(1)

نهر الوجود الجبار

ثج من قدس (كن).



بحثت عن نفسي مليا

في دائرة وعيي الأولى

تصورت في البداية

أنني المكان كله ..!



إلى أن وجدتني أقف بغباء

خلف جهازي إبصار

مثبتين في وجهي

أرى بهما الأشياء

في ناحية من الجهات

دون أن أرى ذاتي !!



يا للمفارقة !!



كنت آخر شيء يتحدد

من وجهة نظري اليتيمة

قبل مجيئك يا شقيقي !!



في مدارج الفكر الزهرية

عجزت عن رؤية وجهي

إلا عبر مرآة !



كأن من بدأ هذا

أراد أن يجنبني مستنقع النرجسية



لقد خلقني لأراك ..!

فأراه برؤيتك يبارك وجودي !



في ألفباء الإدراك

لاحظت عجزي التام

عن رؤية قلبي و الأحشاء !



كأن الفاعل أراد إبعادي

عن احتمال عبثي اللامسؤول

بدروب الموت الملغومة !



حين رأيت وجهي في المرآة

أول مرة

عاينت ضيفي طري الوعي !

تبينت تقاسيمه الجميلة !

فندت من دهشتي ارتعاشة !

و تلفت حولي بسرعة

بإحساس أن عظيم الشأن

الذي بدأني

يخاطبني و يقول شيئا ما

بلغة التقاسيم المذهلة

ذات المغزى البعيد !



و اقشعرت كينونتي

لشعور كاسح بقربه مني !

كأنه مختبئ في هذه الأنحاء

كعنصر من عناصر

المفاجآت الجليلة !!



أنا ما شهدت بدء الحكاية !



و لم أجد لنفسي منها

كثيرا أو قليلا يدرك !



و لم يرفع لي تقرير ما

لما جرى و يجري دائما

من نشاط تنظيمي معقد

في بنيان جسدي الحي !



لماذا سأزعم بغباء

أني صرت أملكني؟!



تأملت أمطار القدر

تترى بمائها العذب

على تربة نقصي اللازم

لقطف الثمار الدانية

من ناضج فرق الرؤية !



أو لالتقاط السيمفونية

تشنف قوى الإدراك

بسحر الإيقاع النابع

من فرق الصائت و الصامت

و جمع المتحرك و الساكن

بخيط التباديل و التوافيق

في حقيقة السياق الموحد !



فسواء انسكاب وجداني

على مثال الجمال العاري

لحظات البزوغ المفاجئ

من صَدفة الزمن الكدر

و شعوري بالسقم و الحرمان

في غرفة كئيبة رطيبة

في مدينة موبوءة الهواء

يسحقها طاعون الفقر !



أو تضرجي بدماء جراحي

في حشرجة شاهق الدهر .



أو اغترابي في منافي الأسى

أكرع علقم البين .



أو سهادي أتقلب صارخا

على لهيب جمر الحمى .



أو بلوغك - أيها الطاغية -

ثمالة وهمك المعتق

بأنك أخمدت جذوتي

ذات غبش رمادي البرد

سجيت فيه بقلبي

طفلي الذبيح بسكينك

ليصير المنزل فكا

يلوك فؤادي المكلوم

بجليد الفقد الشاسع

مثيرا كوامن الكرامة

في لب الجبلة الأولى ..!



ليس لي من أمر الحكاية

غير حر اختياري

هبة من كرم المبدئ

لولاها ما ذاق لبيب

نشوة السفر الحر

و لا اقترب ملهوف

من ظل كمال الله !



(2)



مت بنارك - يا طاغية -

لست أبالي بغبائك القاتل

فما أنت لعمر الله

في صفحة يقيني غير نقطة

على مقياس رسم دقيق

صممت به لكبريائي

خارطة طريق الإحساس

بكمال ربي المقدس !



و هأنذا أحث الخطا

متحركا حر الإرادة

من نقطة إلى أخرى

بحسب التزايد و التناقص

و شكل التفاضل و التكامل

في متتاليات الأقدار !



أرسم دون إكراه

خطي البياني الصاعد

في النموذج المصمم العادل

لاختبار المعرفة و العرفان ..!



(3)



من الذي يزعم بغباء

أنه يستطيع بمملكته

أن يطفئ جذوة الحرية

المسطورة بدقة فائقة

في حمض لغة البروتين ؟!



أنا أتقلب كما أشاء

في ثنائيات الخليقة ..!



أتنفس إيجابا و سلبا

و أرقى مثل إبراهيم

بطاقة الروح التواق

عبر سلالم كهربية

من التفاوت الترتيبي

بسياج زوجي الصيغة

بمبنى الحياة العملاق

إلى شرفة مد البصر

حيث أطل من عل

برهب شائق لذيذ

على الملامح الهيكلية

و مخايل العمق و السعة

للطرف الذي يضمنا

من متراجحة المعرفة !



يدهشني مشهده الواضح

يتجلى بكل عناصره

أدنى و أصغر شأنا

من أن يساوي الواحد

الذي تشير إليه

سبابة (مالانهاية)

في تشهد (الزمكان)

ببخور الوحي القديم

الذي ظل يعاودني

منذ أن كنت طفلا

قادما من كبد الصمت

يوشوش بحميمية

بشذى همسه الفاغم

كلما استمتع الوعي

بالنظر الممعن الشائق

إلى ذاته المتنامية

في مرايا السكون الحر

تتجرد يوما فيوما

من ستر عماء الدهر

مثالا للجمال الفذ

يتعرى ببطء ساحر

وشوشات فوق حسية

تنث عطر التوحيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))