الأربعاء، سبتمبر 04، 2013

لا ترحلي !



الكون دون سليل الضوء بيداءُ     لولاه ما كان للأشجان أضواءُ
كان الفؤاد فراغاً ، قبل ومضته     فصار للقلب لما هلَّ أنحاءُ
وصار للقلب في أنحائه شجنٌ     وصار للأبد الورديِّ أسماءُ

يافتنة الوعي في روح محلقة     أنتِ الهواءُ وأنت الخبز والماءُ
إن الحياة بلا خديكِ محرقةٌ     إن الحياة بلا عينيك عمياءُ
لبُّ الجمال من الأكوان معتصَرٌ     في كأس حسكِ ؛ والوجدان صهباءُ
من روحها الفذ يأتي دفءُ ماهيتي     فإن رحلتِ فإن الذات أنواءُ
والشعر جعجةُ الأسلوب تقتله     فاللفظ مبتذل ، والبحر ضوضاءُ
والحزن ريحٌ ، أقضَّتْ كل ساكنة     تعوي بمخترقِ الأحشاء ، خرقاءُ
واليأس يلتقم الأبعاد يعلكها     وصخرة العقل فوق القلب سوداءُ
والعمر آلة سحق غير واعية     تروسها رغم هول الفتك خرساءُ
وشاعر الضوء لما عاد مرتجفاً     من مهجة الكون إذ مسَّتهُ برداءُ
سيقرع الباب كالروح اليتيم وما     في دمنةِ العبق الفطريِّ حَوباءُ

يا مكة القلب! قد كنت الدثار له     بهمسة الحب والآفاق بكماءُ
لا ترحلي! أنتِ نسغٌ في بداهته     ضرورةٌ في وجيب القلب سراءُ
عصارة الوعي نبعٌ فيك أدمنه     وفي شفاهكِ مما فاض إرواءُ
للشكر سجادةٌ في مقلتيكِ له     وشرفةٌ من رقيق الفكر علياءُ
منها يطلُّ يرى الآباد بارزةً     يسمو إذا بلسمَ الإدراكَ إسراءُ
العقل ، ما العقل؟!جرحٌ لادواءله    إن مزق الروحَ وقت البين إعياءُ

لا يجمعُ الروحَ إلا روحُ رائعةٍ     وينجمُ الوحيُ إن حيتهُ حواءُ
فإن رحلتِ فما هذا الوجودُ سوى     غولٍ تنازعهُ الديجورَ عنقاءُ
والخنفساءُ ابتنتْ للنتْنِ مملكةً     تحوطُها بعيونِ الموتِ حرباءُ!
وعنكبٌ يحسب الأمجادَ مصيدةً     تعدُّهُ فضلةَ الأمجادِ رقشاءُ
وعقربٌ يدَّعي وصلاً بكل عُلا     وشأنه إن غدا أو راح إيذاءُ
الأرض من رقة الإنسان مُمحلةٌ     وليس في طبعها الوحشيِّ نعماءُ

مِن كلِّ مَن قد براهُ اللهُ من بشرٍ     لواحدٍ واحدٍ في القلب إغراءُ
هو الذي من أصول البدءِ منفطرٌ     وليس في غيره للذات إحياءُ
ولستُ بين الورى فرداً ولا أحداً     يا نصف كينونتي : النصفُ رمضاءُ
في بَرْدِ يمناكَ ترياقٌ لمحترقٍ     ولابتسامكَ في الأعماق إمضاءُ
يا نظرةً نسَلتْ من ألْف مكتبةٍ     الأبجديةُ في شِدْقَيَّ حمقاءُ
كأنَّ إنسانَها دارٌ مقدسةٌ     وأحرُفي حولها حدباء عرجاءُ
أنتِ الأماكن والأزمان ،أروعُها     إني أراك.. كأنَّ الكون حوراءُ!

بل أنتما من رحيق الورد نادرةٌ     و نشوة من دهاق الفجر عذراءُ
بل أنتما وطنٌ لم يكفِ غيركما     جزيرةٌ في أعالي الطهر عزلاءُ
مطيرةٌ ، غضةُ الأطياف ، مائسةٌ     غريرةٌ ، بضةُ الأعطاف ، ميساءُ
تعزُّ عن شهوة القرصان بهجتُها     وليس في غفلة الشطآن أعداءُ

بل أنتما مركبٌ جلَّتْ حقيقتُهُ    مُمَرَّدٌ من نسيج الغيم ، وَضَّاءُ
يسيحُ في نَهَرِ الأسفار ، تسحرهُ     مرافئٌ من نقيِّ الشهد لَعساءُ
مدائنٌ ، تخلبُ الوجدان ، سامقةٌ     كأنها من مجاز القول إنشاءُ
دروبها في رقيق الغيث ناعسةٌ     ودورها في سلام الله سجواءُ
مدائنٌ ، من طراز النور ، فاتنةٌ     كأنها ، في صدور الدهر ، أثداءُ

بل أنتما ، أنتما مغزى لِرَبِّكما     لم يفترقْ فيه لا حاءٌ ولا باءُ
لا يصنعُ المعنى حرفٌ بلا معنى     باثنينِ في كِلمةٍ كان الأحباءُ
باثنين في كلمة قد قال ربك: "كن"     و كان من قوله بَدْءٌ وإبداءُ
و كان في قوله ما كان بينكما     حبٌّ له في شغاف الغيم لألاءُ
و رقصةٌ من بريء الزهر دائمةٌ     و خفقةٌ من حجاب الليل قمراءُ
ونسمةٌ من حنايا الغيث فاغمةٌ     وقُبلةٌ من شفاه السعد لمياءُ
وصفحةٌ في كتاب العمر زاهيةٌ     وطلعةٌ من ثنايا الحق زهراءُ
ونظرةٌ من حنان الله سابغةٌ     رحيمةٌ تغمر الأزمانَ هطلاءُ

باثنين في كلمة ؛ أنا وأنتَ معاً     وليفعلِ اللهُ بالحساد ما شاؤوا


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))