الاثنين، مارس 03، 2014

التعامل مع القبيلة في اليمن بين الواقعية والمثالية




 الثورة السلمية أنتجت ثقافة جديدة حضر فيها صوت العقل ، وسعى أعداء الثورة لصنع بؤر صراع دموي في أكثر من مكان لتكريس ثقافة القوة ، لكن الناس حين يقفون وقفة واحدة مع المعتدى عليه ضد المعتدي لتأديبه يضيعون فرصة إنتاج أمراء حرب منتصرين ؛ لأن الناس كلهم شاركوا أدبيا وفعليا ، فلا يحق أن ينسب أفراد النصر لأنفسهم وإن تحملوا العبء الأكبر ، كما حدث في المواجهات مع نظام عفاش بأكثر من مكان .. أما حين يريد منا البعض أن نتجمهر حول بؤر الصراع الدموي وكأنها حلبة مصارعة للاستمتاع بدماء (المتخلفين) على اعتبار أننا نزعم التقدمية ، فهذا السلوك أولا يشيع ثقافة القوة ويغيب صوت العقل ، وثانيا ينتج أمراء حرب منتصرين ربما تحدثهم أنفسهم أنهم صنعوا لأنفسهم مجدا لم يشاركهم فيه غيرهم ، بل إن الثورة بدلا من كونها أفكارا سامية تتحول بالحروب إلى أشخاص يرون أنهم قاتلوا وضحوا ولابد من فرض شروطهم على المهزوم وعلى من خذلهم ذلك الذي استمتع بدمائهم ! على العقلاء من هذا الشعب أن يقفوا ضد المعتدي سواء كان المعتدى عليه فلان أو علان ، فالثورة مبادئ سامية تؤسس لعهد جديد يشارك فيه الجميع والثورة ليست فرصة لتفريغ الأحقاد التي أنتجها الاستبداد .

القبيلة ليست مؤهلة لبناء دولة حديثة ومن الطبيعي أن تجدها تستفيد بحكم تخلفها الثقافي من نظام عفاش السابق الفاسد ، لكن والحق يقال هناك حسنات في بعض رجال القبائل لا توجد عند كثير من "التقدميين جدا" وخطاب بعض أبنائها أكثر تقدمية من بعض التقدميين جدا، ولو لم يكن من صنيع لرجالهم غير حماية العاصمة من اجتياح جبل الصمع لها لكفى، وهم ناصروا الثورة وناصروا الحوار ومشروع الدولة المدنية القوية التي ستجعل القبيلة كتنظيم مستقل يتلاشى دون دماء أو ضغائن أو مناصرة لتمرد يهدد اليمن.. إقامة دولة مدنية ليس باستعداء القبيلة بل بتأكيد مناصرتها المعلنة للثورة وللدولة لأن التشفي بصراعهم مع الحوثي سيخلق بأوساطهم مظلومية أخرى تقلل من سلاسة بناء الدولة المرجوة! وتجربة الحمدي عبرة لنا فقد استثمر آل سعود عداءه لهم حتى قتلته بأيديهم! ونحن الآن بخطاب التشفي نجعلهم يرتابون منا وآل سعود لا يزالون هنا! ..
أليس هناك خطاب رشيد وعقلاني وواقعي ومنصف ومرحلي بلا "تعصب تقدمي" ياقبيلة زوكربرج؟!أنا أخاطب كل أفراد قبيلتي "التقدمية" في الفيسبوك! فحتى التقدم يحتاج لكوابح فهناك مطبات ومنعطفات حادة وأطفال وبهائم بل وكلاب لا يجوز دهسها!

 البعض يتشدقون : الدولة المدنية الدولة المدنية الدولة ال بق بق بق ..فيأتي الحوثي مسلحا حاملا معه مشروع لواحدة من أكثر صيغ الحكم تخلفا في التاريخ ويقاتل في صعدة والجوف وحجة وعمران وأرحب وعندما يصل لحاشد تثور رايات كراهيتهم وأحقادهم مرتفعة لعنان السماء .. ويغمغمون متغابين عن هدف الحوثي بكون بيت الأحمر هي سبب كوارث العالم في القرن العشرين ! .. لأنهم بصراحة لا يمانعون إن سيطر الحوثي على صنعاء ؛ فهم لا يريدون دولة مدنية أصلا ، "الدولة المدنية" هي شعار جذاب راق لهم أن يرفعوه بعد أن أفلست كل أفكارهم الطغيانية التي جنت على الأمة منذ أن خرج المستعمرون ، إنه شعار متأخر لا ينسجم أصلا مع ما تشربوه من ثقافة الطغيان متعددة العناوين .. كما أن الدولة المدنية يبنيها المتسامحون (إلا عن جرائم القتل) وليس الحاقدون ...

يا ناس ، الديمقراطية ليست من طبعهم ، كما أنها ليست لصالحهم ؛ فكيف بالله عليكم لا يرحبون بالحوثي ؟! على الأقل الحوثيون لديهم فكر متنور حول مسألة ال( ) هي أفضل لهم من مليار دولة مدنية بخلاف الإخوان والسنة!

عموماً التعامل مع القبيلة مختلف بين تيارين:

التيار الإسلامي:

نزول إلى الواقع للتغيير بالتدريج،التحاما بالجانب الطيب في الناس تطلعا لمستقبل أفضل.. إنه يعترف بهم ابتداء ويشيد بالقيم الإيجابية عند القبيلة ويحكم على القبائل انطلاقا من ممارساتها في إطار ثقافتها المحدودة (وليس ثقافة الكتب) فيرتبط بخيارهم ويعرض عن شرارهم بناء على حكمه هذا .. وينقلهم بالتدريج .. حتى رأينا شيوخا لقبائل لديهم خطاب مدني متقدم جدا ؛ بل لولا الحركة الإسلامية وعملها في أوساط القبائل لما سقط نظام صالح قط ولتم ذبح مئات الآلاف من الناس كسوريا!

التيار اليساري:

البقاء في برج المثال والتشطيب على الناس لأن المطلوب من أفراد القبيلة أن يصبحوا فجأة مفكرين ومؤلفين بطرفة عين بسبب أن هناك تقدميا يشتم من أعلى البرج منتفخ الأوداج ويقول : "يجب أن تنتهوا حتى نتقدم أيها المتخلفون!" وتراه يخضع تصريحا لشيخ القبيلة لعملية تحليل معقدة ليجمع الدلائل على تخلفه ويخترع النكات ليتسلى بها مع أصدقائه! انظروا مثلا: الدكتور ياسين الذي لا يوجد يساري أكن له من الحب مثل ما أكنه له إلا جار الله عمر ! لكنك تجده يتحدث انطلاقا من كون القبيلة فاسدة بالفطرة ولن تصلح أبدا ! وبالتالي يريد التوجه جنوبا تاركا الشمال للجحيم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))