الخميس، مايو 01، 2014

تعليق على رسالة من مروان الغفوري إلى عبدالملك الحوثي !

إلى عبد الملك الحوثي،

أنت تتحدث كثيراً، لكنك لا تقدم خطاباً. تصر على ترديد بضعة كلمات لتشرح بها كل ما يجري في العالم على طريقة "one size fits all" أي قياس واحد يصلح لكل الأحجام. كذلك هي الصرخة. يمكن فهم معنى شعار "إسرائيل بيتنا" أو أو "من أجل ألمانيا قوية". أعني: بالمعنى السياسي، حتى. أنت تلعب أدواراً داخلية فقط، وشعارك خارجي. لا توجد أي قيمة سياسية، ولا أخلاقية للصرخة. فهي لا تشي بأي فكرة. تصر على القول: "أريد أن أحكم اليمن، أما مشروعي فالموت لأميركا". من المفترض أن نفطس من الضحك ونحن نشاهدك على هذه الحال. أن يضرب كل منا كتف الرجل الذي يجلس أمامه، وفي حالة ضحك تاريخي يهمهم البعض: يا له من خفيف الدم، أين كان مدفوناً كل هذه السنين. وأن تهمس امرأة لأخرى تجلس إلى يمينها "سمعتُ أنه كان مختبئاً في كهف" فترد الأولى: خسارة.

هذا هو الرد المتوقع لظهورك على المسرح بجملة "أريد أن أحكم اليمن، أما مشروعي فالموت لأميركا". لكن حتى هذه الجملة الظريفة، الصرخة، ويا للأسف لم تعد تضحك أحداً. ليس لأننا فقدنا شهيتنا على الضحك لكن لأمر آخر. أنت تضحكنا، وتغضب لأننا فعلنا ذلك.
اسمع، سأقول لك كلاماً وأرجو أن يظل بيننا، أنت وأنا. هناك من قد لا يفهم الفكرة، وليس أسوأ على الكاتب من أن تضل فكرته الطريق.

حسناً ما معنى أنك سيد؟ لا بأس: أنت السيد. ولكن ما معنى ذلك؟ دعنا لا نتجادل كثيرا ً حول هذه الفكرة. أنت السيد، أي الأعلى. هذا العلو جاءك عن طريق السلالة. يا إلهي! منذ سنين طويلة لم أستخدم كلمة السلالة إلا في المعمل، وفي الدرس العلمي في معرض التعليق على الأنواع الجديدة من الممرضات البيولوجية. وربما قليلاً مع أعمال كلود ليفي شتراوس. لا تسألني من هو شتراوس، فأنت لست بحاجة لمعرفته. لقد خدم المعرفة، وفي لحظة موته بكت فرنسا، ثم دخل النار بعد ذلك. على خلاف ما تفعله أنت: قتلت ستين ألفاً من الجيش، وستين ألفاً من المواطنين، وهاجمت ستمائة قرية بالمدافع. وعندما تموت سيتنفس المشرودن الصعداء، لكنك ستدخل الجنّة.

طلبتُ منك أن يبقى الكلام بيننا. لذلك:

محمد بالنسبة لي "رسول" آمنتُ به، ويبدو أنه سعيد لأني فعلت ذلك. سأقول لك لماذا. بالنسبة لك هو جدّك، ولا أظن أن المرء يشعر بالزهو لمجرّد أنه أنجب الأبناء. الشرف يعني، في لغة علم النفس الاجتماعي، أن يكون لديك ما ليس لدى الآخرين، وأن يكون الشيء الذي لديك ثميناً جدّاً لدرجة أن الآخرين سيقولون: واو.
لا بد أن نتفق حول هذه الفكرة، فهي بديهية للغاية. وهكذا ستكون القيمة المضافة للنبي محمد هي أنا، وليس أنت. المؤمن وليس الولد. الرجل الذي قدم من البلدة البعيدة وقال للنبي في لحظة خوفه وتلفته: فعلاً، أنت نبي، سأقول للآخرين إنك نبي، وسأقنعهم بذلك. وليس الولد الذي يخرج من غرفته القذرة، يقرع باب غرفة والده، وما إن يطلب منه الدخول حتى يصرخ فيه:
"اسمعني جيّدا يا أبا عبدالملك، بما إن الآخرين في البلدة صدّقوك واعترفوا بنبوتك، فلا بد أن تخبرهم أني سيدهم".
هذا التفكير تافه، يا عبد الملك. تافه، وطفولي للغاية، وغير حضاري. أرجو أن يبقى هذا الحديث بيننا.

سأشرح لك الفكرة بطريقة أفضل..
أتدري كيف سيرد الوالد على ولده الشره للسيادة؟ حسناً سيجري بينهما هذا الحوار:

ـ دعهم يا ولدي في سبيلهم. إياك أن تزعجهم. إنهم شرفي، دليل صدقي. لا يوجد لدي من دليل آخر على صدقي غير أولئك الذين آمنوا بي.
ـ ولكني ولدك.
ـ نعم. لكن ما معنى أنك ولدي؟ ليس لذلك من معنى سوى أمر واحد، وهو أني لستُ عقيماً. النبي لا يبعث ليقول للناس أنا أنجب الأبناء، بل ليقول لهم: أحمل الأسفار التي تدل على الطريق.
ـ أنا أعرف الطريق، أيضاً، وسأدلهم عليه.
ـ أنت حتى لم تفكر بذلك قط. أعرفك منذ طفولتك. كل ما تعرفه هو الطريق إليهم، وهذا ما يشغلك، لا ما يشغلني يا ولدي.
ـ فمن سيسودهم إذن؟
ـ لماذا تشغل نفسك بهذا؟ دعهم يسودوا أنفسهم. لم يخلقهم الله لنحكمهم. الله لا يفعل أموراً كهذه.
ـ وكيف سنعيش إذن؟
ـ عش كالآخرين، عش مثلهم. عش معهم.
ـ ولكني لست كالآخرين.
ـ (وهو مطرق الرأس يحاول أن يقول فتخونه الكلمات. يرفع رأسه مرة أخرى تجاه ولده الذي كان لا يزال واقفاً في الباب): أما أنا فمثلهم.

لديك الكثير من السلاح الآن يا عبدالملك، أما جدّك فقد مات منذ زمن. لم يعد بوسعه أن ينهرك الآن. بقينا نحن الذين أتيناه من البلدة البعيدة، وكان خائفاً من قومه، كان خائفاً عليك لا على نفسه. قلنا له إننا نصدقه، وأنه يحمل الحقيقة، وأننا لذلك سنبشّر بتلك الحقيقة وسنحرسه. كان سعيداً. كنتَ صغيراً يا عبد الملك تلهو بأعضائك، لم ترَ سعادته كما رأيناها. أو إنك رأيتها، لكنك لم تفهمها.
لا يفهم المرء الأمور الغامضة والكبيرة وهو يلهو بأعضائه.

قيل لنا، فيما بعد، أنه نهرَك، وحذرك من إزعاج شرفه. وأنه قال لك مرارا إن شرفه هم الناس الذين صدقوه.
ولأننا فهمناه جيّداً، فسنفعل كما فعل. سننهرك، وسنزجرك، وستخفض أذنيك.

م. غ. (نقلاً عن صفحته في الفيسبوك)



التعليق:

 
رائع ، هذا مقال يشرح جوهر فكرة المساواة في الإسلام وفي كل رسالات الأنبياء، ويشير إلى كون التفاضل إنما هو للفكر وليس للجنس، لكن الجديد في المقال هو الأسلوب الأدبي الخيالي العبقري الذي لم يسبق إليه أحد في التاريخ الإسلامي (أراهن على ذلك)، قبل مروان الغفوري الذي رسم المسافات الفلكية بين الفكرة الربانية السامية "أما أنا فمثلهم" والفكرة الشيطانية المنحطة "أنا خير منه" التي تطرفت لدى البعض إلى درجة اعتقاده أن ما ينقص البشرية لتدخل الجنة هو "أن يلهو سيد بأعضائه"(الكبار أيضا يلهون بأعضائهم بقصد استمرار الجنس البشري) ولو كان الأمر كذلك لرزق الله محمدا "ص" مائة ولد يملؤون الأرض بسلالته، وكان بإمكانه أن يجنبه تعيير الجاهلية الأولى له "بالأبتر" ، تلك الجاهلية التي لديها ذات الاعتقاد بكون استمرار واتساع وزخم مسيرة "اللهو بالأعضاء" هي الميزة الفضلى للمتميزين! 
 
.. على هذا الأساس كان الغفوري ذكيا بإدخال الحوثي - رغم حداثة سنه - في هنجر الخردة ، كون "الصبي الحوثي" يمثل "خردة" الفكر الإنساني برمته!!


كما كان الغفوري ذكياً بإشارته لجماعة اليمنيين الذين استجابوا له ونصروه واستضافوه بعيداً عن طغيان العشيرة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

((تبارك اسم ربك ذو الجلال و الإكرام))