وقفتَ فعادتْ إليكَ الطلولُ
نوافذَ وعدٍ لِبابِ القدرْ
و عادَ إليكَ النسيمُ العليلُ
و عادَ الأصيلُ و عادَ السَّحَرْ
و عادتْ (بُثَيْنُ) الحَصَانُ البتولُ
كأنَّ شذى وَرْدِها ما غَبَرْ
فَحَلَّ فؤادكَ منها (جميلُ)
و فجَّرَ فيكَ الذي ما انفجرْ
حناياكَ ذَوْبٌ عليها يسيلُ
و شلّالُ وَجْدٍ إليها انحدرْ
و ليسَ لقلبكَ منها رسولُ
سوى كائنٍ هامسٍ منْ خَفَرْ
تراءى على كلِّ بيتٍ يجولُ
كشوفاً لِوجدانِكَ المُستعِرْ
فلاقى شغافكَ منها القبولُ
و وعدُ المواعيدِ فيها استقرْ
(2)
وقفتَ فَحَيَّتْ هواكَ السهولُ
و في راحتيها ولاءُ الشجرْ
و سارتْ إلى مقلتيكَ الحقولُ
و خُضرُ الحكاياتِ عندَ النَّهَرْ
و شَدَّتْ بِشوقٍ إليك العقولُ
ركائبَها منْ منافي الفِكَرْ
و منْ كلِّ عُمْقٍ تعالى صهيلُ
فأنعشَ أُفْقَ
الصَّبا المُحتضَرْ
و أينعَ منْ كلِّ جرحٍ رحيلُ
و منْ كلِّ حُزْنٍ عتيقٍ سَفَرْ
على صدركَ الرَّحْبِ كان النُّزولُ
و منهُ تجلى إليكَ الممرْ
على شرفةِ الروحِ أنتَ البديلُ
و من خانقِ العيشِ أنتَ المفرْ
دماؤكَ للراحلينَ السبيلُ
و قلبكَ للثائرين المقرْ
(3)
سليلَ الميادينِ أنتَ الهطولُ
على بؤسِ أيامنا ينهمرْ
ربيعٌ توالتْ عليهِ الفصولُ
فغالبَ أنواءَها و ازدهرْ
هتفتَ و ضوءُ الحنايا قتيلُ
بكلِّ فجاجِ الفِصامِ القذرْ
فغادرَ أحلامَنا المستحيلُ
يجُرُّ ذليلاً ذيولَ الضجرْ
و رَقَّ الزمانُ الكثيفُ الثقيلُ
و صوتك في العالمينَ انتشرْ
و رَفَّ على الروحِ ظلٌّ ظَليلُ
يداوي بأعماقهِ ما انفطرْ
لقدْ غابَ منهمْ هناك الفلولُ
و كلُّ شهيدٍ لدينا حضرْ
و ما نالَ منكَ الشقيُّ الجهولُ
و كنتَ المظفَّرَ و المنتصرْ
تلاشى الدُّجى المُسْتبدُّ الدخيلُ
على وقع تيارك المستمرْ
فَلَيْلُ قراصينهمْ يَسْتقيلُ
و فجرُ المرافئ ها قدْ ظهرْ
(4)
لأنتَ بِرَيبِ الدروبِ الدّليلُ
و طولَ المسافاتِ كنتَ الوطرْ
بكلِّ الميادينِ أنتَ الفضيلُ
و أنتَ المفضلُ بينَ البشرْ
لمعنى الحياةِ اصطفاكَ الجليلُ
غضارةَ غُصْنٍ شهيِّ الثَّمرْ
أراك و أنتَ العفيفُ النبيلُ
خطفتَ فؤادي بلمحِ البصرْ
أراك بأغوارِ حسي تصولُ
و لمْ تُبْقِ منْ مُهْجتي أوْ تَذَرْ
تمكنتَ مني فماذا أقولُ
و عقلي على ضفتيكَ انصهرْ؟!
أنا – يا شقيقي – طواني الذهولُ
و أطلقني في سماءِ الصورْ
و أخضعني الصّولجانُ الصقيلُ
بأصفى المرايا و أنقى الدُّرَرْ
و أسكرني صفوُكَ السلسبيلُ
كأنكَ أشهى طيوفِ المطرْ
بكلِّ المحطات أنتَ الوصولُ
لكلِّ المساءات أنتَ القمرْ
(5)
وقفتَ و للموتِ شكلٌ مهولُ
كأنكَ فجرَ الحياةِ الأغرْ
(أخي) أنتَ روحي فأنى تزولُ
و ربكَ أدرى بما قدْ فطرْ ؟!
و ليسَ لكَ اليومَ عندي مثيلُ
فأنتَ القضاء و أنتَ القدرْ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق